📁 آخر الأخبار

أصول الدين الثلاثة (الألوهية والنبوة والوحي) في الاسلام divinity, prophecy, and revelation

أصول الدين الثلاثة (الألوهية والنبوة والوحي) في الاسلام

الأصول الثلاثة وهي الألوهية والنبوة والوحي في الديانة الإسلامية من المواضيع التي لا تختلف فيها الفرق الإسلامية  الإطار العام لكن قد تختلف قراءتها وفي بعض التفاصيل، لكن المشكلة كانت في إعطاء الأولوية لهذه التفاصيل مما تسبب في صراع وصل إلى حد تكفير بعض الفرق للخرى.
الأصول الثلاثة في الإسلام

ذكرنا فيما سبق أن الأصول الثلاثة تحدد انتماء الإنسان وتعطيه صفة المسلم إذا اعتقد بها على وفق التحديد الإسلامي، وهذا التحديد يمكن الكشف عنه بغير جهد جهيد من ظاهر منطوق القرآن الكريم، ففي القرآن الكريم بيان لهذه المفاهيم ورد على التصورات المنحرفة لها والتي سبقت في الدينين السابقين للإسلام، وهما اليهودية و المسيحية.

يعتبر القرآن الكريم أن وجود الله لاشك فيه ويقدم الأدلة على ذلك، والعمدة في الأدلة الدليل الفطري الذي لا يحتاج إلى تعلم وتحصيل، بل يجعل الإسلام معرفة الله والإذعان لوجوده مسألة لا تخضع للتقليد ولا يحق التقليد فيها، إلا أن يعتقد فيها بدليل يحصله المعتقد نفسه بما أوتي من ملكة التفكير، ومن لم يفعل فهو مكابر.

يهمنا من المسألة ما اهتم به القرآن الكريم وهو التوحيد، إذ جعل عنوان الانتماء وأول أصل عقائدي في الإسلام، فالله تعالى واحد بمعنى أنه من الوجود بحيث لا يحد بحد حتى يمكن فرض ثاني له فيما وراء ذلك الحد وهذا معنى قوله تعالى" قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفؤا أحد. "(سورة الإخلاص) فإن استعمال لفظ الأحد يدفع إمكان تصور العدد في حقه تعالى يقال ما جاءني أحد ينفي بأن يكون قد جاءه الواحد وكذا الاثنان والأكثر.

فاستعمال لفظ الأحد في قوله تعالى "هو الله أحد" (الإخلاص/ 1) في الإثبات من غير نفي و لا تقييد بإضافة أو وصف يفد أن هويته تعالى بحيث يستبعد المماثلة له في هويته بوجه سواء كان واحدا أو كثيرا . قال تعالى: " سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين" فإن المعاني الكمالية التي نصفه بها أوصاف محدودة، جلت ساحته سبحانه أن تحد أو تقيد، وهو الذي يقصده النبي (ص) في كلمته المشهورة " لاأحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" .

وهذا النوع من التوحيد هو الذي يدفع به تثليث النصارى فإنهم موحدون في غين التثليث لكن الذي يذعنون به من الوحدة وحدة عددية لا تنفي الكثرة فإنهم يقولون أن الأقانيم (الأب و الإبن و الروح القدس )بمعنى (الوجود والعلم والحياة)ثلاثة وهي واحد، كالإنسان الحي العالم فهو شيء واحد لأنه إنسان حي عالم وهو ثلاثة ظلنه إنسان وحياة وعلم.

لكن التعليم القرأني ينفي ذلك لأنه يثبت من الوحدة ما لا يستقيم معه فرض أي كثرة وتمايز لا في الذات ولا في الصفات و لا في الأفعال، وكل ما فرض من شيء في هذا الباب كان عين الآخر لعدم الحد فذاته تعالى غين صفاته، وكل صفة مفروضة له هي عين الأخرى تعالى الله عما يشركون و سبحانه عما يصفون.لذلك الآيات التي تنعته بالقهارية تبدأ أولا بنعت الوحدة ثم تصفه بالقهارية لتدل على أن وحدته لا تدع مجالا لفرض الثاني المماثل بأي وجه من الوجوه فضلا عن أن يكون موجودا قال تعالى: ط أأرباب متفرقون خير أم الواحد القهار " (يوسف/ 40).

الذي يميز دين الإسلام في طرحه للذات الإلهية هو صيغة التوحيد المانعة عن توهم الثاني له وهو الذي جعل القرآن يكشف ثغرات توحيد النصارى وتوحيد اليهودون وهذه الصيغة تكمن في إثبات الأحدية لله تعالى، وهذا أهم توصيف يسهل التعامل مع الصفات الإلهية، وحتى تفسير القرب منه بحيث لو اقترب منه أي كان فيضل مقهورا مهما كان هذا القريب، ولعل توصيف أقرب موجود له و هوالنبي(ص) " لا أحصي ثناء عليك"يحكي عن هذا الإحكام في توحيد الله ،فطبيعة الوحدانية تنفي العددية، فهو الواحد المطلق وهوالأحد بحيث لا يمكن تصور التركيب في ساحته تعالى.

الوحي:

الوحي الإلهي
"وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولافيوحي بإذنه ما يشاء" (الشورى/ 51).
إذا لم تكن واسطة بين الله تعالى ومن يكلمه من حجاب وهو كسب العبد من فكر وتعقل أو إحساس فذاك هو المقصود به الوحي والموحى إليه لا يجد مكلما له إلا الله ولايجد كلاما إلا كلام الله، وهذا حال النبي أوالرسول في أول ما يوحى إليه بالنبوة والرسالة لا يختلجه شك في ان الذي يوحي إليه هو الله تعالى من غير أن يحتاج إلى إعمال فكر أو نظر، أو طلب دليل أو حجة ولو اضطر إليها لما كان الذي وصله وحي بل اكتساب بواسطة حجاب هو القوة النظرية.

النبوة :

يستدل على النبوة عقلا في الفكر الإسلامي انطلاقا من ضرورتها والوجه الذي به يبرر وجودها، وينحصر وجه الحاجة إليها، في ما تقتضيه الطبيعة الإنسانية من الإختلاف المانع لها من تحصيل السعادة والوصول إلى الكمال اللائق بالإنسان بما هو كذلك، فالطبيعة الإنسانية قاصرة عن تدارك ما أعدت له أو إصلاح ما أفسدته ن فالإصلاح لا يكون إلا من جهة غير جهة الطبيعة، وهي الجهة الإلهية التي هي النبوة بالوحي، ولذا عبر تعالى عن قيام الأنبياء (ع) بهذا الإصلاح ورفع الإختلاف بالبعث ولم ينسبه في القرآن الكريم كله إلا إلى نفسه تعالى، مع أن قيام الأنبياء كسائر الأمور له ارتباطات بالمادة والروابط الزماني والمكانية.

قال نصير الدين الطوسي: " ضرورة وجود الأنبياء لتكميل الأشخاص بالعقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة، و الأفعال المحمودة النافعة لهم في عاجلهم وآجلهم، وتكميل النوع باجتماعهم على الخير والفضيلة، وتساعدهم في الأمور الدينية سياسة الخارجين عن جادة الخير والصلاح"[1]

فالنبوة حالة إلهية أو غيبية نسبتها إلى الحالة العامة من الإدراك نسبة اليقظة إلى النوم، بها يدرك الإنسان المعارف التي تخرجه من طور النقص والإختلاف والتناقض، وهذا التلقي من الغيب هو المسمى في القرآن الكريم بالوحي والحالة التي يتخذها الإنسان منه لنفسه بالنبوة.

والنبوة من حيث الطبيعة "مختصة بقوة قدسية تذعن لها غريزة العالم الأكبر فتأتي بمعجزات خارجة عن الجبلة والعادات، ولا تصدأ مرآتها، ولا يمنعها شيء عن انتقاش ما في اللوح المحفوظ من الكتاب الذي لا يبطل وذوات الملائكة التي هي الرسل فتبلغ مما عند الله إلى عامة الخلق:[2]

معنى النبي حامل النبأ ومعنى الرسول حامل الرسالة ومبلغها، وللرسول شرف الوساطة بين الله تعالى وبين خلقه، وللنبي شرف العلم بالله وبما كعنده. وقيل الفرق بين النبي والرسول لأن الرسول يبعث فيؤمر بالتبليغ ويحمل الرسالة، أما النبي فيبعث سواء أمر بالتبليغ أو لم يؤمر. وعلى هذا فالنبي هو الذي يبين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلى سعادتهم، فالرسول هو الحامللرسالة خاصة مشتملة على إتمام حجة يستتبع مخالفته هلاكه أو عذابه أو نحو ذلك.

فى الأخير بعد هذه الدراسة المتواضعة نستنتج أنه من خلال هذه الأصول المذكورة أعلاه نستطيع أن نقف على جوه الخلاف بين المسيحية والإسلام، رغم وجه الإشتراك بينهما في ذلك، ففي الألوهية نلمس الإقرار بالتوحيد في الديانتين مع فارق في طبيعة هذه الوحدانية، وفي النبوة كذلك إجماع لدى الديانتين بضرورة النبوة والرسالة، وخصائصها لديهما مشتركة باعتبارها من دون توسط بين الله و النبي أو الرسول.

إلا أن المسيحية بعد مجمع نيقية رفعت عن المسيح النبوة والرسالة لأنها أصبغت عليه صبغة اللاهوت. وهناك ملاحظة تستوقف الباحث خاصة فيما يتعلق جانب العقائد لدى المسيحية وهي خضوع العقيدة لقرار سياسي ولإجماع بينما العقائد المفروض أنها تحكي مبادئ وجودية يكشف عنها لا صيغ تحقق توافقا يضمن وحدة تصور بغض النظر عن كونه باطلا أو حقا.

محمد جمال الدين القاسمي، دلائل التوحيد، دار النفائس،ط1،1991، ،ص362 – 363. [1]

المصدر نفسه، ص 365 . [2]

تعليقات