📁 آخر الأخبار

سيرة وحياة الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي (1869-1934)

 

الشيخ أحمد العلاوي المستغانمي سيرته وحياته
الشيخ أحمد العلاوي سيرته وحياته

نسبه:

هو أبو العباس أحمد بن مصطفى بن محمد بن أحمد المعروف بأبي شنتوف الذي مدحه الشيخ محمد بن حواء التوجيني، صاحب "سبيكة العقيان فيمن بمستغانم من العلماء والأعيان"

والحنفي اللازم التعبد      نجل عليوة الفقيه المهتدي[1]

بن مدبوغ الجبهة بن الحاج علي الذي يعرف عند العامة بعليوة وهو المنتسب إليه ابن غانم الذي قدم من الجزائر العاصمة بقصد الاستقرار وقيل لأجل القيام بوظيفة القضاء، المعروف عن عائلة الشيخ العلاوي أنها كانت ميسورة الحال وذات جاه في أوساط مستغانم، كذلك يعرف عن أصول الشيخ العلاوي أن القضاء كان حكرا عليهم بحيث -كما يروي الشيخ عدة بن تونس - تولاه ثلاثون شخصا منهم[2].

مولده نشأته:

ولد أحمد بن مصطفى بن عليوة بمستغانم سنة 1869م، وهو الذكر الوحيد عند والديه بين بنتين، أحيط مولده بعناية كبيرة، لما يحكى من قصة حدثت لأمه واسمها فاطمة، قبل أن يتكون في رحمها، حكت أمه أنها رأت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تبسم في وجهها وكانت في يده الشريفة وردة النرجس فرمى بها إليها فوقعت في حجرها فأخذتها عن استحياء، ولما قصت رؤياها على زوجها مصطفى بن عليوة تأولها بارتزاق ولد صالح، لأنها أمنيته وهمه في دعواته اليومية.

في سيرة الشيخ العلاوي مع والديه، كان ملتزما بالطاعة لوالده، ولم يكن يمثل له المعيل بل الإعالة كانت لا تكاد تذكر خاصة وأنه هو الذي تكفل بالمساعدة في ذلك لما اشتد عوده. تكفل الأب بتعليم إبنه مبادئ الكتابة والقراءة وحفظه القرآن الكريم من سورة الناس إلى أن انتهى معه التحفيظ إلى سورة الرحمن· وتوقف حفظه للقرآن الكريم كما تركه والده ولم يواصل بعد ذلك. يصف الشيخ العلاوي والده بأنه كان ذا روح جادة وذا أنفة بالغة حتى أنه مع شدة فقره لا يبدي ذلك لغيره، مما دفع بالابن إلى المبادرة في تأمين قوت الأسرة، ولعل ذلك كان سبب قطع الدروس مع أبيه، لأن انشغال الابن في ذلك الحين كان تحصيل رضا الوالد والبر به، وستر عوزه، وهو الذي شعر أنه حصله، فيقول: " وكنت فقدت الأب على رأس السابعة عشر من سني، فذهب إلى عفو الله وهو علي راض، وكنت مع صغر سني استعمل معه سائر أنواع البرور، ولا غاية نحاولها أكثر من إدخال السرور عليه، وكان يحبني حبا مفرطا، ولم نعقل عنه أنه نهرني أو ضربني إلا في أوقات تعليمه إياي، كان ذلك منه بما أني كنت متراخيا عن القرآن" [3].

هذا حاله مع أبيه أما أمه فكما يذكر الشيخ العلاوي، أنها كانت أكثر تفننا في حبه والخوف عليه من أن يقع عليه الأذى إلى درجة أنها كانت تمنعه الخروج في الليل لتحصيل العلم وحضور مجالس الذكر، خاصة وأن سكنهم كان خارج البلدة، وهذه الدروس كانت تلقى في البلدة، وهذا الأمر كان قبل أن يلتقي أستاذه الكبير محمد بن أحمد البوزيدي، وظل الشيخ العلاوي يشتري ودّها بكل حيلة ويلاطفها من دون أن يتخلى عن مسعاه العلمي، كما قال: " فصفت المودة بيني وبينها ودامت على ذلك إلى أن انتقلت إلى رحمة الله عام 1332هـ/ 1914م"[4] بل ذهب الأمر إلى أن طلّق إحدى زوجاته فقط حفاظا على ملازمتها وخدمتها.

بوفاة والدة الشيخ العلاوي كان طوى السن السادسة والأربعين وهي السنة التي أسس فيها الطريقة باسمه واستقل عن الطريقة الدرقاوية الأم التي تلقى التربية في ظلها تحت إشراف أستاذه محمد البوزيدي.

فيما يخص زواج الشيخ العلاوي، فإننا نشير إلى أنه لم يعش استقرارا زوجيا، إذ كان الطلاق هو المصير لكل زيجة عقدها، اللهم إلا الزوجة الأولى التي كانت من تلمسان انتهت هذه الزيجة بسبب وفاتها، وكان ذلك متزامنا مع وفاة شيخه البوزيدي، هي الزوجة الوحيدة التي مدحها الشيخ العلاوي فنعتها بأنها كانت بارة به حسنة المعاشرة، ثم تزوج بعدها بإحدى بنات أحد الصوفية من الطريقة الدرقاوية وهو أحمد بن ثريا، وكان هذا التزويج لغرض إبقاء الشيخ العلاوي في الوطن ومنعه من الهجرة، خاصة وأنه تجرد للسفر من أجل الاستقرار في المشرق بعد وفاة شيخه وزوجته وكان قد باع كل ما كان يمتلك. كان هذا الزواج من غير شرط المهم هو استدراج الشيخ العلاوي للبقاء في الوطن، خاصة وهو عمدة الطريقة في حياة شيخه والمنتظر أنه يحافظ على بقاء النسبة الدرقاوية كما كانت عليه في حياة الشيخ البوزيدي.

لكن الزواج المتحدث عنه لم يستمر، لأن الزوجة لم تتوفق للمعاشرة مع والدة الشيخ العلاوي، إذ يقول: " فاشتدت حيرتي لما كنت عليه من مراعاة إسعاف الوالدة رحمة الله عليها وقد كنت ساعفتها على عدة نوازل أشبه شيء بهاته النازلة، غير أنها في هذه الأخيرة كبر علي ما استصغرته في غيرها من جهة الفراق"[5] وتم الطلاق بطلب من والدها وتفهمه لوضع صديقه في الطريق الصوفي الشيخ العلاوي، الذي يقول: " ولما رأى الصهر المذكور ما آلمني من الحيرة في ذلك الشأن، عرض علي جانب الفراق، وطلبه مني بإلحاح قائلا: لا يصلح بك إلا مراعاة حق الوالدة، أما حق الزوجة يصح فيه أن يقال: وإن يتفرقا يغني الله كلا من سعته (النساء- 130). وكل ذلك لا يثير أدنى شيء في مودتنا إن شاء الله... فقد كان لي نصيب وافر من الأسف، وليس هو بأكثر مما كان للصهر المذكور، ولكن على مراد الله، وكل ذلك لم ينقص من الصداقة فيما بيننا إلى أن لقي الله ذلك الرجل المبرور على أتم مودة فشكرا لعواطفه، ما أجملها في طريق الله"[6].

والحال نفسها مع زوجة أخرى من عائلة صديق آخر وهو العارف بالله سيدي حمادي بن قاري مصطفى، إذ كان هو القائم والمتولي لشؤون هذه الزوجة فزوجها للشيخ العلاوي، لكن كان الطلاق هو مصير هذه الزيجة مع بقاء المودة والصداقة مع الصهر المذكور" فإني والله ما رأيته ولا سمعت منه ما يقرب من الصهر الأول، وأن الصداقة دامت فيما بيننا إلى الآن والحمد لله زاد الله في روابط المحبين في الله"[7].

بالإجمال أربع زيجات انتهت بالمفارقة "وما ذلك مني لسوء المعاشرة، ولذلك لم تعتبره الأصهار مني سيئة، فجميعهم إلى الآن(حتى سنة كتابة هذه السيرة سنة 1920) على التعريف السابق... وبالجملة فإن كان هناك شيء من التقصير فأكون أنا به أحرى، ولكن ما تعمدناه."[8].

ما نستنتجه من الحياة الزوجية للشيخ العلاوي، أن التزويج كان يتم داخل الرابطة الصوفية، لأن الطريق له متطلبات لا يمكن أن يتحملها المجتمع العام سواء من جهة أعباء النسبة من ملازمة خدمة النسبة أو غلبة السكر والتلوين على الصوفي مما يشتت أموره الدنيوية، قد يصل الأمر إلى الطلاق مع الحياة الدنيوية لولا التضامن داخل النسبة، يضاف إلى هذا قوة تعلق الشيخ العلاوي بالمعرفة الإلهية، إلى درجة التضحية بالكل دونها، مما يصعب طريقة الزواج العادية وقد قرأ مقربوه فيه ذلك، لذلك لم يغيروا موقفهم منه عند فشل المصاهرة معه. فالشأن مع الشيخ العلاوي كان على ما يقتضيه الأمر الديني بأن يتعامل مع الطلاق كأمر طبيعي لا يتطور لكي ينعكس سلبا على العلاقة والرابطة الأخوية بين جماعة الصوفية، فالأصهار كما ذكر الشيخ العلاوي بقوا على المودة بل منهم من كان يرى الطلاق حلا للطرفين (الزوج والزوجة)، المهم هو نصرة النسبة.

وبالنسبة للشيخ العلاوي فكانت الأولوية إما الاستمرار في المدارسة بحيث كانت تستغرق الليل كله، أو ترجيح حقوق الوالدة كما حدث مع الزوجة الثانية، أو الانشغال بخدمة الطريق الصوفي، وفي كل ذلك كان يسعى للتوفيق بين استمرار الزواج وهذه الانشغالات لكن لم يتوفق الأمر كما صرح " وأما السبب في هذا الفراق فهو ما خامر العقل في ذلك الحين من الانشغال بالعلم أولا، وبالذكر ثانيا، فضاع حق الزوجة فيما بين ذلك، وكاد أن يضيع حق العائلة تماما، وهكذا قضى الله علينا بمفارقة أربع زوجات، وما كان ذلك مني لسوء المعاشرة، ولذلك لم تعتبره الأصهار مني سيئة، فجميعهم إلى الآن على التعريف السابق، والذي يزيد في الاستغراب، أن بعض الزوجات سمحن في بقايا مهورهن من بعد الفراق. وبالجملة فإن كان هناك شيء من التقصير فأكون أنا به أحرى، ولكن ما تعمدناه"[9].

وفاته رضي الله عنه:

الشيخ العلاوي في زاويته
الشيخ العلاوي في زاويته

كانت وفاة الشيخ العلاوي سنة 1934، بعد إصابته بنوبة قلبية، وسبقتها نوبة إفلوانزا ألزمته الفراش لمدة، وكان قد تولى عيادته الطبيب الدكتور مارسيل كاري الذي كان قد افتتح عيادة له في حي تيجديت بمستغانم، ولما سمع الشيخ العلاوي، بحسن معاملته للجزائريين، بحيث كان يهتم بمرضاه الجزائريين، لأن الطبيب مارسيل كاري كان خليا من عدم اللياقة التي كان يتصف بها الأوروبيون تجاه الأهالي: " الأوروبي معجب بعطفة التفوق ويظن أنها ملكة له بلا ريب وفي كل الميادين، الأوروبي يجرح عواطف المسلم بتلك المظاهر بدون أن يشعر بذلك"[10].

بينما ما وجد في الدكتور مارسيل كاري، كان يختلف على ما عليه الأوروبيين، "كنت أحظى بقة كاملة عندهم لأني كنت أظهر لهم غير متعال ولا متنازل مثل ما يتظاهر به الأوروبيون حسب اعتيادهم معهم... والحال المعتبر عندهم والأليق أن يبقى المرء في مكانته ويحافظ على منزلته ويكلمهم بدون تكبر ولا خشونة ويعرف كيف يظهر وده وصداقته لهم بدون أن يكون أليف، فهذه اللطائف يشعرون بها ويتأثرون لها جيدا"[11]، لهذه الخصال طلب الشيخ العلاوي هذا الطبيب حتى يفحصه، وكان الشيخ العلاوي يتعامل مع مرضه تعامل العارف بالله، الذي يرى في عين الجلال حقيقة الجمال، كما لم يغفل عن شهود الجلال في عين الجمال.

كان الشيخ العلاوي مسلما لقضاء الله، ينتظر الموت، كما يمارس حياته بكل عفوية، وفي عمق مرضه يحاور في الموت وفي معرفة الله، ويدعو إليه، إذ لم يمنعه مرضه بأن يفتح مجال الحوار مع الطبيب فيما يهمه في دينه، ورؤيته للوجود والحياة، كما لم يمنعه ذهابه إلى الموت من التذكير، "وظل الشيخ يتحدث إلى تلامتذه على الرغم من ضعفه المتزايد إلا أنه اضطر إلى اختصار مدة جلساته"، وظل لضعفه يرفض أخذ المنبهات التي تسكن ألمه إلا الاقتناع بذلك من خلال السماع لرأي الطبيب، "ولاقيت صعوبة كبرى في إقناعه بضرورة تعاطي المنبهات اللازمة لإعادة النشاط إلى قلبه الواهن"[12].

الجدير بالذكر أن الشيخ العلاوي، كان يترقب الموت، وينتظره بجمالية عالية، عشقا للقاء الله تعالى، لذا وهو يستطب، يأخذ أسباب العلاج بحدود ضيقة، إيمانا منه بأن المعلول لا يحدث بعلته، بل عند علته، مما ييسر التعامل مع الأسباب اعتقادا منه أن الأسباب فقيرة هي كذلك إلى الحق تعالى، فإثر إصابته بنوبة قلبية أفقدته الوعي نسبيا، تدخل الطبيب كاري، وحقنه بحقنة في الوريد، "عندئذ فتحعينيه ونظر إلي معاتبا وهو يقول: لم فعلت هذا؟ كان ينبغي أن تدعني أرحل. فمن العبث استبقائي أي فائدة ترجى من ذلك؟ فأجبته: إذا كنت بجانبك فهذا لأن الله شاء ذلك، وما شاء الله ذلك إلا لكي أقوم بواجبي نحوك كطبيب. فقال: حسنا... إن شاء الله."[13].

وكانت نهاية حياته بعد أزمة أقل منهذه، وعندما استدعي الطبيب، طلب الشيخ العلاوي منه أن لا يتدخل إذا ما شعر أنه بدأ يقترب من الموت، فقال للطبيب: " اليوم سينتهي كل شيء عدني بألا تتدخل وأن تترك الأمور تأخذ مجراها. فقلت له أن حالته ليست أسوأ مما كانت عليه. ولكنه ألح قائلا: إني على يقين أن كل شيء سينتهي اليوم ويجب أن أترك وشأني حتى أعود إلى الله...(وبعد تدهور صحته أكثر) وعندما شعر بأناملي تتحسس معصمه فتح عينيه وعرفني فتمتم قائلا: ها أنا ذا أرسل أخيرا إلى حيث أستريح في جناب الله"[14] ويعلق الدكتور مارسيل: "وهكذا أتى الشيخ على آخر نقطة زيت في مصباح حياته"[15].

[1] بن تونس، رشيد محمد الهادي ، نيل المغانم من تاريخ وتقاليد مستغانم، المطبعة العلاوية، مستغانم، ط1، 1998، ص 207.
[2] بن تونس، عدة، الروضة السنية في المآثر العلاوية، المطبعة العلاوية، مستغانم، ط2، (د. ت)، ص17.
· اعتبر الأستاذ مارتن لينغز، أن حفظ القرآن عند الشيخ العلاوي، بلغ تسعة أعشار من القرآن، بينما الأمر على غير ذلك، خاصة إذا علمنا أن منهج التحفيظ في البلاد المغاربية يبدأ بآخر جزء من القرآن صعودا إلى أول جزء (من سورة الناس إلى سورة البقرة)، وبالتالي حفظ الشيخ العلاوي من القرآن لم يتجاوز ثلاثة أجزاء من القرآن، أي عشر القرآن الكريم.
[3]بن تونس، عدة، الروضة السنية، في المآثر العلاوية، ص 20.
[4]المرجع نفسه، ص 20-21.
[5] المرجع السابق، ص 32.
[6] المرجع نفسه، ص 32
[7] المرجع السابق، ص 32.
[8] المرجع نفسه، ص 32-33
[9] المرجع السابق، ص 32 - 33.
[10] مارسيل كاري، ذكريات الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي، المطبعة العلاوية، مستغانم، ط2، 1987، ص 35.
[11] المرجع نفسه، ص34.
[12] المرجع السابق، ص 36.
[13] المرجع نفسه، ص 37.
[14] المرجع نفسه، ص 37 – 38.
[15] المرجع السابق، ص 38.
تعليقات